كتاب: فيض القدير شرح الجامع الصغير من أحاديث البشير النذير **

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: فيض القدير شرح الجامع الصغير من أحاديث البشير النذير **


ظاهر الخبر أن لكل نوع من المخالفات والوساوس شيطاناً يخصه ويدعو إليه قال الغزالي‏:‏ واختلاف المسببات يدل على اختلاف الأسباب قال مجاهد‏:‏ لإبليس خمسة أولاد جعل كل واحد منهم على شيء وهم شبر والأعور وسوط وداسم وزلنبور فشبر صاحب المصائب الذي يأمر بالثبور وشق الجيوب ولطم الخدود ودعوى الجاهلية والأعور صاحب الزنا يأمر به ويزينه لهم وسوى صاحب الكذب وداسم يدخل مع الرجل على أهله يريه العيب فيهم ويغضبه عليهم وزلنبور صاحب السوق وشيطان الصلاة يسمى خنزب والوضوء يسمى الولهان وكما أن الملائكة فيهم كثرة ففي الشياطين كثرة ‏(‏تتمة‏)‏ الوسوسة من آفات الطهارة وأصلها جهل بالسنة أو خبال في العقل ومتبعها متكبر مذل نفسه يسيء الظن بعباد اللّه معتمد على عمله معجب به وقوته وعلاجها بالتلهي عنها والإكثار من سبحان الملك الخلاق ‏{‏إن يشأ يذهبكم ويأت بخلق جديد وما ذلك على اللّه بعزيز‏}‏ كذا في النصائح قال الحكيم‏:‏ فأما القلوب التي ولجها عظمة اللّه وجلاله فهابت واستقرت فقد انتفى عنهم وسواس نفوسهم ووسواس عدوهم قال ومن هنا أنب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم على أهل الوسوسة فقال هكذا خرجت عظمة اللّه من قلوب بني إسرائيل حتى شهدت أبدانهم وغابت قلوبهم ثم روى حديثاً أن رجلاً أتى رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فقال إني أدخل في صلاتي فلم أدرأ على شفع أم على وتر من وسوسة أجدها في صدري فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم إذا وجدت ذلك فاطعن أصبعك هذه يعني السبابة في فخذك اليسرى وقل بسم اللّه فإنها سكين الشيطان أو مديته‏.‏

- ‏(‏ت ه‏)‏ وفيه كراهة الإسراف في الوضوء قال النووي‏:‏ أجمعوا على النهي عن الإسراف فيه وإن كان على شط بحر فيكره تنزيهاً وقيل تحريماً ‏(‏ه ك عن أبيّ‏)‏ قال الترمذي غريب ليس إسناده بالقوي لا نعلم أحداً أسنده غير خارجة بن مصعب انتهى وقد رواه أحمد وابن خزيمة أيضاً في صحيحه من طريق خارجة قال ابن سيد الناس ولا أدري كيف دخل هذا في الصحيح قال ابن أبي حاتم في العلل كذا رواه خارجة وأخطأ فيه وقال أبو زرعة رفعه منكر وقال جدي في أماليه هذا حديث فيه ضعف وخارجة ‏[‏ص 504‏]‏ ضعيف جداً وليس بالقوي ولا يثبت في هذا شيء انتهى وذلك لأن فيه خارجة بن مصعب وهاه أحمد وكذبه ابن معين في الميزان أنه انفرد بهذا الخبر وقال في التنقيح وهوه جداً وقال ابن حجر خارجة ضعيف جداً وقال أبو زرعة رفعه منكر وظاهر صنيع المصنف أنه لم يخرجه غير الترمذي وإلا لذكره تقوية له لضعفه وليس كذلك بل رواه عبد اللّه بن أحمد في زوائد المسند‏.‏

2395 - ‏(‏إن لإبليس مردة‏)‏ بالتحريك جمع مارد وهو العاتي ‏(‏من الشياطين يقول لهم عليكم بالحجاج والمجاهدين فأضلوهم عن السبيل‏)‏ أي الطريق يذكر ويؤنث والتأنيث أغلب لأن شأنه هو وجنده الصد عن طريق الهدى والمناهج الموصلة إلى ديار السعداء والأمر بالفحشاء والمنكر ثم يحتمل أن المراد الإضلال عن الطرق الحسية فيما لو خرج واحداً وشرذمة منفردون ويحتمل أن المراد المعنوية بأن يقول للحاج أتحج وتذر أرضك وسماءك وزوجك وولدك مع طول الشقة وكثرة المشقة وللمجاهد أتجاهد فتقاتل وتقتل وتنكح نساؤك ويقسم مالك فيقع التطارد بين حزب الشيطان وأمر الرحمن في معركة القلب إلى أن يغلب أحدهما‏.‏

- ‏(‏طب عن ابن عباس‏)‏ وفيه شيبان بن فروخ أورده الذهبي في الذيل وقال ثقة قال أبو حاتم يرى القدر اضطر الناس إليه بأخذه عن نافع بن أبي هرمز قال النسائي وغيره‏:‏ غير ثقة‏.‏

2396 - ‏(‏إن لجهنم‏)‏ قال القاضي‏:‏ علم لدار العقاب وهي في الأصل مرادف للنار وقيل معرب ‏(‏باباً‏)‏ أي عظيم المشقة وعر الشقة ‏(‏لا يدخله‏)‏ أي لا يدخل منه ‏(‏إلا من شفا غيظه بمعصية اللّه‏)‏ أي أزال شدة حنقه وإبراء علة غضبه بإيصال المكروه إلى المغتاظ عليه على وجه لا يجوز شرعاً قال في المصباح وغيره‏:‏ شفى اللّه المريض يشفيه شفاء واستشفيت بالعدو وشفيت به من ذلك لأن الغضب الكامن كالداء فإذا زال بما يطلبه الإنسان من عدوه فكأنه برىء من دائه وأصل الغيظ الغضب المحيط بالكبد وهو أشد الحنق وفي رواية بدل قوله بمعصية اللّه بسخط اللّه قال الغزالي‏:‏ وعدد أبواب جهنم بعدد الأعضاء السبعة التي بها يعصي العبد بعضها فوق بعض الأعلى جهنم ثم سقر ثم لظى ثم الحطمة ثم السعير ثم الجحيم ثم الهاوية فانظر الآن في عنق الهاوية فإنه لاحد لعقمها كما لا حد لعمق شهوات الدنيا وقال الحكيم‏:‏ الإنسان جبل على أخلاق سبعة‏:‏ الشرك والشك والغفلة والرغبة والرهبة والشهوة والغضب، فأيّ خلق منها استولى على قلبه نسب إليه دون البقية ولذلك جعل لجهنم سبعة أبواب بعدد هذه الأخلاق وأهلها مقسومون على هذه السبعة فكل جزء منهم إنما صار جزءاً بخلق من هذه الأخلاق المستولية عليهم ومما يحققه قولهم في هذا الحديث إن لجهنم باباً لا يدخله إلا من شفا غيظه بسخط اللّه وقوله في حديث آخر لجهنم سبعة أبواب باب منها لمن سل سيفه على أمتي وإذا ولج الإيمان القلب ففي هذه السبعة منه أو بعضها بقدر قوة الإيمان وضعفه فإن انتفت كلها صارت أبواب جهنم كلها مسدودة دونه أو بعضها فما يناسبه‏.‏

- ‏(‏ابن أبي الدنيا‏)‏ أبو بكر ‏(‏في ذم الغضب‏)‏ أي في كتاب ذمّه ‏(‏عن ابن عباس‏)‏ قال الحافظ العراقي سنده ضعيف ورواه عنه أيضاً البزار من حديث قدامة بن محمد عن إسماعيل ابن شيبة قال الهيثمي‏:‏ وهما ضعيفان وقد وثقا وبقية رجاله رجال الصحيح‏.‏

2397 - ‏(‏إن لجواب الكتاب حقاً كردّ السلام‏)‏ يعني إذا أرسل إليك أخوك المسلم كتاباً يتضمن السلام عليك فيه فحق عليك ‏[‏ص 505‏]‏ ردّ سلامه بمكاتبة مثله ومراسلة أو إخبار ثقة وبوجوب ذلك صرح بعض الشافعية وهذا من المصطفى صلى اللّه عليه وسلم شرع للإيناس فإن السلام تحية من الغائب وقلما يخلو كتاب من سلام وفيه تجديد لعهد المودة لئلا تخلق ببعد الدار وطول المدة‏.‏

- ‏(‏فر عن ابن عباس‏)‏ ورواه أيضاً ابن لال ومن طريقه وعنه أورده الديلمي فلو عزاه له لكان أولى ثم إن فيه جويبر بن سعيد قال في الكاشف تركوه عن الضحاك وقد سبق قال ابن تيمية والمحفوظ وقفه‏.‏

2398 - ‏(‏إن لربكم في أيام دهركم نفحات‏)‏ أي تجليات مقربات يصيب بها من يشاء من عباده والنفحة الدفعة من العطية ‏(‏فتعرضوا لها‏)‏ بتطهير القلب وتزكيته عن الخبث والكدورة الحاصلة من الأخلاق المذمومة ذكره الغزالي ‏(‏لعل‏)‏ أن يصيبكم نفحة منها فلا تشقون بعدها أبداً‏)‏ فإنه تعالى كملك يدر الأرزاق على عبيده شهراً شهراً ثم له في خلال ذلك عطية من جوده فينفتح باب الخزائن ويعطى منها ما يعم ويستغرق جميع الأرزاق الدارة فمن وافق الفتح استغنى للأبد وتلك النفحات من باب خزائن المتن وأبهم وقت الفتح هنا ليتعرض في كل وقت فمن داوم الطلب يوشك أن يصادف وقت الفتح فيظفر بالغنى الأكبر ويسعد السعد الأفخر وكم من سائل سأل فرد مراراً فإذا وافق المسؤول قد فتح كيسه لينفق ما يرده وإن كان قد ردّه قبل‏.‏

- ‏(‏طب‏)‏ قيل إنما ذكره في الأوسط فليحرر ‏(‏عن محمد بن مسلمة‏)‏ بفتح الميم واللام ابن سلمة الأنصاري الخزرجي الحارثي شهد بدراً والمشاهد إلا تبوك وكان من فضلاء الصحابة قال الهيثمي فيه من لم أعرفهم ومن أعرفهم وثقوا انتهى ورواه عنه الحكيم أيضاً‏.‏

2399 - ‏(‏إن لصاحب الحق‏)‏ أي الدين ‏(‏مقالاً‏)‏ أي صولة الطلب وقوة الحجة قاله لأصحابه لما جاءه رجل تقاضاه فأغلظ له فهموا به فقال دعوه وذكره وأخذ منه الغزالي أن المظلوم من جهة القاضي له أن يتظلم إلى السلطان وينسبه إلى الظلم وكذا يقول المستفتي للمفتي قد ظلمني أبي أو أخي أو زوجي فكيف طريقي في الخلاص والأولى التعريض بأن يقول ما قولكم في رجل ظلمه أبوه أو أخوه قال‏:‏ لكن التعين مباح لما ذكر‏.‏

- ‏(‏حم عن عائشة حل عن أبي حميد الساعدي‏)‏ بكسر المهملة قضية صنيع المصنف أن هذا ليس في أحد الصحيحين وإلا لما عدل عنه وهو ذهول عجيب فقد قال الحافظ العراقي ثم السخاوي وغيرهما إنه متفق عليه من حديث أبي هريرة رضي اللّه عنه بلفظ لصاحب الحق مقال‏.‏ قال السخاوي‏:‏ وهو من غرائب الصحيح وعزاه لهما بلفظ ما هنا الديلمي في الفردوس وأعجب من ذلك أن المصنف جزم في الدرر بعزوه للشيخين بلفظ‏:‏ إن لصاحب الحق مقالاً، وما هذه إلا غفلة عجيبة‏.‏

2400 - ‏(‏إن لصاحب القرآن‏)‏ أي قارئة حق قراءته بتلاوته وتدبر معناه ‏(‏عند كل ختمة‏)‏ يختمها من القرآن ‏(‏دعوة مستجابة‏)‏ قال التوربشتي‏:‏ الصحبة للشيء الملازمة له إنساناً أو حيواناً مكاناً أو زماناً وتكون بالبدن وهي الأصل وبالعناية والهمة وصاحب القرآن هو ملازمه بالهمة والعناية ويكون ذا تارة بنحو حفظ وتلاوة وتارة بتدبير وعمل فإن قلنا بالأول فالمراد من الدرجات بعضها دون بعض والمنزلة التي في الحديث ما يناله العبد من الكرامة على قدر منزلته في الحفظ والتلاوة لا غير أو بالثاني وهو أتم الوجهين وأحقهما فالمراد بالدرجات سائرها فلا يستطيع أحد أن يتلو آية إلا وقد أقام ما يجب عليه فيها واستكمال ذلك للمصطفى صلى اللّه عليه وسلم ثم من بعده على مراتبهم في الدين انتهى، وناقشه ‏[‏ص 506‏]‏ في بعضه الطيبي ثم قال‏:‏ والذي نذهب إليه أن سياق الحديث تحريض لصاحب القرآن على التحري في القراءة والإمعان في النظر فيه والملازمة له والعمل بمقتضاه وكل هذه الفوائد يعطيها معنى الصاحب ‏(‏وشجرة في الجنة لو أن غراباً طار من أصلها لم ينته إلى فرعها حتى يدركه الهرم‏)‏ أي الكبر والضعف والشيخوخة قيل يضرب الغراب مثلاً في طول العمر لأنه تطول حياته أكثر من غيره من الطيور شبه بعد طولها ببعد مسافة غراب طار من أول عمره إلى آخره هذا بحسب العرف وإلا فلا مناسبة بين البعدين‏.‏

- ‏(‏خط‏)‏ في ترجمة عبد اللّه بن صديق ‏(‏عن أنس‏)‏ وفيه يزيد الرقاشي‏.‏ قال أحمد‏:‏ لا يكتب حديثه وأبو عصمة وابن حبان لا يجوز الاحتجاج به ومن ثم قال ابن الجوزي حديث لا يصح‏.‏

2401 - ‏(‏إن لغة إسماعيل‏)‏ بن إبراهيم الخليل جد المصطفى صلى اللّه عليه وسلم ‏(‏كانت قد درست‏)‏ أي عفت وخفيت آثارها قال في الصحاح‏:‏ درس الرسم عفى وفي المصباح وغيره‏:‏ درس المنزل دروساً عفى وخفيت آثاره وربع دارس الرسم ودرسته الرياح تكررت عليه فعفته‏.‏ قال الزمخشري رحمه اللّه‏:‏ ومن المجاز درس الحنطة داسها ودرس الثواب أخلق اهـ‏.‏ والمراد هنا خفيت آثارها فلم يبق شيء في الأرض من البشر من ينطق بها على وجهها ‏(‏فأتاني بها جبريل‏)‏ عليه السلام ‏(‏فحفظنيها‏)‏ فلذلك حاز قصب السبق في النطق باللغة التي هي أفصح اللغات وصار باعثاً للتصدي للبلاغة التي هي أعم البلاغات وأفحم بلغاء العرب كافة، فلم يدع شعباً من شعوبهم ولا بطناً من بطونهم ولا فخذاً من أفخاذهم من شعراء مفلقين وخطباء مصاقع يرمون في حدق البيان عند هدر الشقاشق ويصيبون الأعراض بالكلم الرواشق إلا أعجزه وأذله وحيره في أمره وأعله‏.‏

- ‏(‏الغطريف في جزئه‏)‏ الحديثي ‏(‏وابن عساكر‏)‏ في التاريخ ‏(‏عن عمر‏)‏ بن الخطاب‏.‏

2402 - ‏(‏إن لقارىء القرآن دعوة مستجابة‏)‏ عند ختمه ‏(‏فإن شاء صاحبها تعجلها‏)‏ بالمثناة الفوقية ‏(‏في الدنيا‏)‏ أي دعا اللّه تعالى أن يعجلها له فيها فيعجلها ‏(‏وإن شاء أخرها‏)‏ بالتشديد ‏(‏إلى الآخرة‏)‏ واللّه خير وأبقى والظاهر أن المراد بهذا أن يؤذن له في الشفاعة يوم القيامة لمن أحب‏.‏

- ‏(‏ابن مردويه‏)‏ في التفسير ‏(‏عن جابر‏)‏ بن عبد اللّه‏.‏

2403 - ‏(‏إن لقمان الحكيم‏)‏ أي المتقن للحكمة وقد مر تعريفها ‏(‏قال إن اللّه إذا استودع شيئاً حفظه‏)‏ لأن العبد عاجز ضعيف والأسباب التي أعطيها عاجزة ضعيفة مثله فإذا تبرأ العبد من الأسباب وتخلى من وبالها وتحلى بالاعتراف بالضعف واستودع اللّه شيئاً فهذا منه في ذلك الوقت تخلى وتبرى من حفظه ومراقبته فيكلأه اللّه ويرعاه ويحفظه واللّه خير حفظاً وأخرج الحكيم عن ابن عمر أن عمر عرض الناس فإذا برجل معه ابنه فقال عمر رضي اللّه عنه‏:‏ ما رأيت غراباً أشبه بهذا منك، قال‏:‏ واللّه يا أمير المؤمنين ولدته أمّه في القبر فاستوى قاعداً، فقال‏:‏ حدثني، فقال‏:‏ غزوت وأمّه حامل فقالت‏:‏ تدعني حاملاً معقلاً قلت‏:‏ أستودع اللّه ما في بطنك فلما قدمت وجدتها ماتت فبت عند قبرها وبكيت فرفعت لي نار علية فقلت‏:‏ إنا للّه أما واللّه كانت عفيفة صوّامة قوّامة فتأملت فإذا القبر مفتوح وهو يدب حولها ونوديت‏:‏ أيها المستودع ربه وديعته خذ وديعتك أما لو استودعته وأمّه لوجدتهما‏.‏ فأخذته فعاد القبر كما كان‏.‏

- ‏(‏حم عن ابن عمر‏)‏ بن الخطاب‏.‏

2404 - ‏(‏إن لك‏)‏ بكسر الكاف خطاباً لعائشة رضي اللّه عنها لما كانت معتمرة ‏(‏من الأجر‏)‏ أي أجر نسكك ‏(‏على قدر ‏[‏ص 507‏]‏ نصبك‏)‏ بالتحريك أي تعبك ومشقتك ‏(‏ونفقتك‏)‏ لأن الجزاء على قدر المشقة، قال النووي‏:‏ ظاهره أن أجر العبادة بقدر النصب والنفقة‏.‏ قال ابن حجر‏:‏ وهو كما قال لكن لا يطرد فرب عبادة أخف وأكثر ثواباً كقيام ليلة القدر بالنسبة لغيرها وأمثلته قد أكثر من تعدادها ابن عبد السلام وغيره‏.‏

- ‏(‏ك‏)‏ في الحج ‏(‏عن عائشة‏)‏ وقال على شرطهما وأقرّه الذهبي‏.‏

2405 - ‏(‏إن لكل أمة أميناً‏)‏ أي ثقة رضياً تعول النفس عليه وتسكن القلوب إليه ‏(‏وإن أمين هذه الأمة‏)‏ الذي له الزيادة من الأمانة هو ‏(‏أبو عبيدة‏)‏ عامر بن عبد اللّه ‏(‏بن الجراح‏)‏ بن هلال بن أهيب بن ضبة بن الحارث بن فهر، فهو يجتمع مع رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم في فهر وخصه بأمانة هذه الأمة لأن عنده من الزيادة فيها ما ليس لغيره كما خص الحياء بعثمان رضي اللّه تعالى عنه والقضاء بعلي كرم اللّه وجهه قال أبو نعيم أبو عبيدة وهو الأمين الرشيد والعامل الزهيد الأمين للأمة كان للأجانب من المؤمنين وديداً وعلى الأقارب من المشركين شديداً فيه نزلت ‏{‏لا تجد قوماً يؤمنون باللّه واليوم الآخر يوادون من حاد اللّه ورسوله‏}‏ الآية‏.‏

- ‏(‏خ‏)‏ في فضائله ‏(‏عن أنس‏)‏ ظاهر صنيع المصنف أن ذا مما تفرد به البخاري عن صاحبه وهو ذهول بل خرجه مسلم في فضائل أبي عبيدة عن أنس بلفظ إن لكل أمة أميناً وإن أميننا أيتها الأمة أبو عبيدة بن الجراح‏.‏

2406 - ‏(‏إن لكل أمة حكيماً وحكيم هذه الأمة أبو الدرداء‏)‏ عويمر بن زيد بن قيس الخزرجي وقيل اسمه عامر وعويمر لقب كان آخر أهل داره إسلاماً وحسن إسلامه وكان فقيهاً عالماً عاقلاً حكيماً بشهادة المصطفى صلى اللّه عليه وسلم كما ترى آخى بينه وبين سلمان الفارسي شهد ما بعد أحد وفي أحد خلف وكان يدفع الدنيا بالصدر والراحتين ولي قضاء دمشق في خلافة عثمان ومات بعده بقليل وقيل غير ذلك‏.‏

- ‏(‏ابن عساكر‏)‏ في التاريخ ‏(‏عن جبير بن نفير‏)‏ بتصغيرهما الحضرمي ‏(‏مرسلاً‏)‏ أرسل عن خالد بن الوليد وعبادة وأبي الدرداء‏.‏

2407 - ‏(‏إن لكل أمة فتنة‏)‏ أي امتحاناً واختباراً‏.‏ وقال القاضي‏:‏ أراد بالفتنة الضلال والمعصية ‏(‏وإن فتنة أمتي المال‏)‏ أي الالتهاء به لأنه يشغل البال عن القيام بالطاعة وينسي الآخرة قال سبحانه وتعالى ‏{‏إنما أموالكم وأولادكم فتنة‏}‏ وفيه أن المال فتنة وبه تمسك من فضل الفقر على الغنى قالوا‏:‏ فلو لم يكن الغنى بالمال إلا أنه فتنة فقل من سلم من اصابتها له وتأثيرها في دينه لكفى‏.‏

- ‏(‏ت‏)‏ في الزهد ‏(‏ك‏)‏ في الرقاق وكذا ابن حبان كلهم ‏(‏عن كعب بن عياض‏)‏ الأشعري صحابي نزل الشام قال الترمذي حسن غريب وقال الحاكم صحيح وأقره الذهبي في التلخيص لكن قال في اللسان عن العقيلي لا أصل له من حديث مالك ولا من وجه يثبت اهـ‏.‏ وخرجه ابن عبد البر وصححه‏.‏

2408 - ‏(‏إن لكل أمة سياحة‏)‏ أي ذهاباً في الأرض وفراق وطن ‏(‏وإن سياحة أمتي الجهاد في سبيل اللّه‏)‏ أي هو مطلوب منهم كما أن السياحة مطلوبة في دين النصرانية فهو يعدلها في الثواب بل يزيد عليها ‏(‏وإن لكل أمة رهبانية‏)‏ أي تبتلاً وانقطاعاً للعبادة يقال ترهب الراهب انقطع للعبادة والراهب عابد النصارى ‏(‏ورهبانية أمتي الرباط في نحور العدو‏)‏ أي ملازمة الثغور بقصد ملاقاة أعداء الدين ومقابلتهم بالضرب على أعناقهم وصدورهم والرباط كما في الصحاح وغيره‏:‏ ‏[‏ص 508‏]‏ ملازمة ثغر العدو والنحر موضع القلادة من الصدر‏.‏ قال في المصباح‏:‏ ويطلق النحور على الصدور ويقال ضرب نحره ونحورهم ومنه نحر البعير طعن في نحره‏.‏

- ‏(‏طب عن أبي أمامة‏)‏ قال الحافظ العراقي سنده ضعيف وبينه تلميذه الهيثمي وقال‏:‏ فيه عفير بن معدان وهو ضعيف اهـ‏.‏

2409 - ‏(‏إن لكل أمة أجلاً‏)‏ أي مدة من الزمن قال في الصحاح أجل الشيء مدته وفي المصباح أجل الشيء مدته ووقته الذي يحل فيه ‏(‏وإن لأمتي‏)‏ من الأجل ‏(‏مئة سنة‏)‏ أي لانتظام أحوالها ‏(‏فإذا مرت‏)‏ أي مضت وانقضت يقال من الدهر مراً ومروراً ذهب ‏(‏على أمتي مئة سنة أتاها وعدها اللّه‏)‏ عز وجل من انقراض الأعمار والتحول من هذه الدار إلى دار القرار قال أحد رواته ابن لهيعة يعني بذلك كثرة الفتن والاختلاق وعدم الانتظام‏.‏

- ‏(‏طب عن المستورد بن شداد‏)‏ قال الهيثمي فيه ابن لهيعة وهو حسن الحديث على ضعفه‏.‏

2410 - ‏(‏إن لكل بيت باباً وباب القبر من تلقاء رجليه‏)‏ أي من جهة رجلي الميت إذا وضع فيه وهذا يقتضي أنه ينبغي جعل بابه كذلك أي يندب ذلك وعليه العمل في الأعصار والأمصار‏.‏

- ‏(‏طب عن النعمان بن بشير‏)‏ بفتح الموحدة وكسر المعجمة‏.‏

2411 - ‏(‏إن لكل دين خلقاً‏)‏ أي طبعاً وسجية ‏(‏وإن خلق الإسلام الحياء‏)‏ أي طبع هذا الدين وسجيته التي بها قوامه أو مروءة هذا الدين التي بها جماله الحياء فالحياء أصله من الحياة فإذا حيي القلب باللّه تعالى فكلما ازداد حياؤه باللّه ازداد منه حياة ألا ترى أن المستحي يعرق في وقت الحياء فعرقه من حرارة الحياة التي هاجت من الروح فمن هيجانه تفور الروح فيعرق منه الجسد ويعرق منه أعلاه لأن سلطان الحياة في الوجه والصدر وذلك من قوة الإسلام لأن الإسلام تسليم النفس والدين خضوعها وانقيادها فلذلك صار الحياء خلقاً للإسلام فيتواضع ويستحي، ذكره الحكيم، يعني الغالب على أهل كل دين سجية سوى الحياء والغالب على أهل ديننا الحياء لأنه متمم لمكارم الخلاق وإنما بعث المصطفى صلى اللّه عليه وسلم لإتمامها ولما كان الإسلام أشرف الأديان أعطاه اللّه أسنى الأخلاق وأشرفها وهو الحياء‏.‏

- ‏(‏ه عن أنس وابن عباس‏)‏ قال ابن الجوزي حديث لا يصح وقال الدارقطني حديث غير ثابت‏.‏

2412 - ‏(‏إن لكل ساع غاية‏)‏ أي لكل عامل منتهى وأصل السعي كما في المصباح التصرف في كل عمل ومنه ‏{‏وأن ليس للإنسان إلا ما سعى‏}‏ إلا ما عمل وفي النهاية غاية كل شيء مداه ومنتهاه ‏(‏وغاية ابن آدم الموت-وكذا كل ذي روح وإنما خص ابن آدم تنبيهاً على أنه لا ينبغي أن يضيع زمن مهلته بل يتنبه من غفلته-‏)‏ فلا بد من انتهائه إليه وإن طال عمره أخبر أن مدة العمر سفر إلى الآخرة فلا يضيع الإنسان مدة مهلته وأن كل ساع يسعى إما في فكاك رقبته أو هلاكها كما قال في الخبر الآخر فبائع نفسه فموبقها فمشتري نفسه فمعتقها ‏(‏فعليكم بذكر اللّه‏)‏ أي الزموه باللسان والقلب ‏(‏فإنه يسليكم‏)‏ كذا في كثير من النسخ فتبعتها ثم رأيت في نسخة المصنف بخطه يسهلكم ‏(‏ويرغبكم ‏[‏ص 509‏]‏ في الآخرة‏)‏ أي يجركم إلى إرادة الأعمال الأخروية بأن يوفقكم لإرادة فعلها والمحافظة على حيازة فضلها قال في الصحاح وغيره رغب فيه أراده وبابه طرب‏.‏

- ‏(‏البغوي‏)‏ في معجم الصحابة من طريق علي بن قرين عن زيد بن هلال عن أبيه هلال بن قطبة ‏(‏عن جلاس‏)‏ بفتح الجيم وشد اللام ‏(‏ابن عمرو‏)‏ الكندي قال وفدت في نفر من قومي على رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم فلما أردنا الرجوع قلنا أوصنا يا نبي اللّه فذكره‏.‏ اهـ‏.‏ وقال في الإصابة على بن قرين ضعيف جداً من فرقة لا يعرفون‏.‏

2413 - ‏(‏إن لكل شجرة ثمرة وثمرة القلب الولد‏)‏ صادق بالذكر والأنثى وتمامه عند مخرجه البزار وغيره إن اللّه لا يرحم من لا يرحم ولده والذي نفسي بيده لا يدخل الجنة إلا رحيم‏.‏ قلنا‏:‏ يا رسول اللّه كلنا رحيم قال‏:‏ ليست الرحمة أن يرحم أحدكم خاصته حتى يرحم الناس أجمعين اهـ‏.‏ قيل ذبح رجل عجلاً بحضرة أمه فأيبس اللّه يده فينما هو ذات يوم إذ سقط فرخ من وكره وأبواه يبصبصان له فرحمه فرده لوكره فرحمه اللّه ورد عليه يده‏.‏

- ‏(‏البزار‏)‏ في مسنده ‏(‏عن ابن عمر‏)‏ ابن الخطاب قال الهيثمي فيه أبو مهدي سعيد بن سنان ضعيف متروك وقال العلائي فيه سعيد بن سنان ضعيف جداً بل متروك‏.‏

2414 - ‏(‏إن لكل شيء أنفة‏)‏ بضم الهمزة وفتحها قال بعض محققي شراح المصابيح والصحيح الفتح أي لكل شيء ابتداء وأول قال الزمخشري‏:‏ كأن التاء زيدت على أنف كقولهم في الذنب ذنبة جاء في أمثالهم إذا أخذت بذنبة الضب أغضبته قال وعن الكسائي أنفة الصبا ميعته وأوليته قال‏:‏

عذرتك في سلمى بأنفة الصبا * وميعته إذ تزدهيك ظلالها

‏(‏وإن أنفة الصلاة التكبيرة الأولى فحافظوا عليها‏)‏ أي داوموا على حيازة فضلها لكونها صفوة الصلاة كما في خبر البزار ولأن من حافظ عليها أربعين يوماً كتب له براءة من النار وبراءة من النفاق كما في خبر ضعيف وإنما يحصل فضلها بشهود التكبير مع الإمام والإحرام معه عقب تحرمه فإن لم يحضرها أو تراخى فاتته لكن يغتفر له وسوسة خفيفة‏.‏

- ‏(‏ش طب عن أبي الدرداء‏)‏ قال الحافظ ابن حجر في إسناده مجهول وقال الهيثمي هو موقوف وفيه رجل لم يسم قال ابن حجر والمنقول عن السلف في فضل التكبيرة الأولى آثار كثيرة‏.‏

2415 - ‏(‏إن لكل شيء باباً وباب العبادة الصيام‏)‏ لأنه يصفي الذهن ويكون سبباً لإشراق النور على القلب ومن فوائده سكون النفس الأمارة وكسر سورتها عند الفضول بالحوارح لإضعافه حركتها في مطلوباتها ومنه العطف على المساكين فإنه لما ذاق الجوع في بعض الأحيان ذكر من هذا حاله في كلها أو جلها فتسارع إلى الرقة عليه فبادر بالإحسان إليه فنال من الجزاء ما أعده اللّه له لديه ومنها موافقة الفقراء بتحمل ما يتحملونه أحياناً وفي ذلك رفع حاله عند اللّه تعالى كما ذكر عن بشر الحافي أنه وجد في الشتاء يرعد وثوبه معلق فقيل له في مثل هذا الوقت تنزع الثوب فقال الفقراء كثير ولا طاقة لي بمواساتهم بالثياب فأواسيهم بتحمل البرد كما يتحملونه‏.‏

- ‏(‏هناد عن ضمرة بن حبيب‏)‏ ابن صهيب الزبيدي بضم الزاي أبو عقبة المصري تابعي ثقة ‏(‏مرسلاً‏)‏ قال الحافظ العراقي وأخرجه ابن المبارك في الزهد وأبو الشيخ ‏[‏ابن حبان‏]‏ في الثواب من حديث أبي الدرداء بسند ضعيف اهـ فما اقتضاه صنيع المصنف من أنه لم يقف عليه مسنداً وإلا لما عدل للرواية مرسلة مع ضعفهما جميعاً غير سديد‏.‏

‏[‏ص 510‏]‏ 2416 - ‏(‏إن لكل شيء توبة إلا صاحب سوء الخلق فإنه لا يتوب من ذنب إلا وقع في شر منه‏)‏ أي أشد منه شراً فإن سوء خلقه يجني عليه ويعمى عليه طرق الرشاد حتى يوقعه في أقبح مما تاب منه ولهذا عبث بعضهم بالفرزدق وهو صبي لم يبلغ الحلم فقال له أيسرك أن لك مئة ألف وأنك أحمق قال لا قال ولم قال لئلا يجني عليّ سوء خلقي جناية فيضيع المئة ألف ويبقى حمقي عليَّ‏.‏

- ‏(‏خط عن عائشة‏)‏ وفيه محمد بن إبراهيم التيمي وثقوه إلا أحمد فقال في حديثه شيء يروي أحاديث منكرة‏.‏

2417 - ‏(‏إن لكل شيء حقيقة‏)‏ أي كنهاً ‏(‏وما بلغ عبد حقيقة الإيمان حتى يعلم‏)‏ علماً جازماً ‏(‏أن‏)‏ أي بأن ‏(‏ما أصابه‏)‏ من المقادير أي وصل إليه منها ‏(‏لم يكن ليخطئه‏)‏ لأن ما قدر عليه في الأزل لا بد أن يصيبه ولا يصيب غيره منه شيئاً ‏(‏وما أخطأه‏)‏ منها ‏(‏لم يكن ليصيبه‏)‏ وإن تعرض له لأنه بان أنه ليس مقدراً عليه ولا يصيبه إلا ما قدر عليه والمراد أن من تلبس بكمال الإيمان وولج نوره في قلبه حقيقة علم أنه قد فرغ مما أصابه أو أخطأه من خير وشر فما أصابه فإصابته له متحتمة لا يتصور أن يخطئه وما أخطأه فسلامته منه متحتمة لأنها سهام صائبة وجهت في الأزل فلا بد أن تقع مواقعها جف القلم بما هو كائن وفيه حث على تفويض كل أمر إلى اللّه تعالى مع شهود أنه الفاعل لما يشاء وأنه لا راد لقضائه ولا معقب لحكمه ‏{‏ما أصاب من مصيبة في الأرض ولا في أنفسكم إلا في كتاب من قبل أن نبرأها‏}‏‏.‏

قال العارف ابن عربي‏:‏ الحقائق أربع‏:‏ حقائق ترجع إلى الذات المقدسة وحقائق ترجع إلى الصفات وحقائق ترجع إلى الأفعال وحقائق ترجع إلى المفعولات وهي الأكوان والمكونات وهذه الحقائق الكونية ثلاث علوية وهي المعقولات وسفلية وهي المحسوسات وبرزخية وهي المتخيلات والحقائق الذاتية كل مشهد يقيمك الحق فيه بغير تشبيه ولا تكييف لا تسعه العبارة ولا تومي إليه الإشارة والحقائق الصفاتية كل مشهد يقيمك الحق فيه تطلع منه على معرفة كونه سبحانه قادراً حياً عالماً إلى غير ذلك من الأسماء والصفات المختلفة والمتقابلة المتماثلة، والكونية كل مشهد يقيمك الحق فيه تطلع منه على معرفة الأرواح والبسائط والمركبات والأجسام والاتصال والانفصال، والفعلية كل مشهد يقيمك الحق فيه تطلع منه على معرفة كن وتعلق القدرة بالمقدور بضرب خاص بكون العبد لا فعل له ولا أثر لقدرته الحادثة الموصوف بها وجميع ذلك يسمى أحوال ومقامات فالمقامات كل صفة يجب الرسوخ فيها وعدم النقل عنها كالتوبة والحال كل صفة يكون فيها وقتادون وقت كالسكر والمحو أو يكون وجودها مشروطاً بشرط فينعدم كالصبر مع البلاء والشكر مع النعماء‏.‏

- ‏(‏حم طب عن أبي الدرداء‏)‏ قال العلائي‏:‏ فيه سليمان بن عتبة وثقه ابن دحيم وضعفه ابن معين وباقي رجاله ثقات‏.‏

2418 - ‏(‏إن لكل شيء دعامة‏)‏ بالكسر أي عماداً يقوم عليه ويستند إليه وأصل الدعامة بالكسر ما يسند به الحائط إذا مال يمنعه السقوط ومنه قيل لسيد قومه هو دعامة القوم كما يقال هو عمادهم قال الزمخشري‏:‏ فالمدعوم الذي يميل فيريد أن يقع فيسند إليه ما يستمسك به، قال‏:‏ ومن المجاز هو دعامة قومه لسيدهم وسندهم وأقام فلان دعائم الإسلام ودعمت فلاناً أعنته وقويته ‏(‏ودعامة هذا الدين الفقه‏)‏ أي هو عماد الإسلام الذي عليه مبناه وبه استمساكه وبقاؤه ‏[‏ص 511‏]‏ ‏(‏ولفقيه واحد أشد على الشيطان من ألف عابد‏)‏ لأن من فقه عن اللّه أمره ونهيه وعلم لماذا أمر ونهى تعاظم لذلك وكبر في صدره شأنه وكان أشد تسارعاً لما أمر وأشد هرباً مما نهى فالفقه في الدين جند عظيم يؤيد اللّه به أهل اليقين الذين عاينوا محاسن الأمور ومشائنها وأقدار الأشياء وحسن تدبير اللّه تعالى في ذلك لهم بنور يقينهم ليعبدوه على بصيرة وطمأنينة ومن حرم ذلك عبده على مكابدة وكره، لأن القلب وإن أطاع وانقاد لأمر اللّه فالنفس إنما تنقاد إذا رأت نفع شيء أو ضره والنفس والشيطان جندهما الشهوات فيحتاج الإنسان إلى أضدادهما من الجنود ليقهرهما وهو الفقه ولهذا قالوا قلما قام عمر خطيباً إلا قال قال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم‏:‏ من يرد اللّه به خيراً يفقهه في الدين يا أيها الناس تفقهوا‏.‏

- ‏(‏هب خط‏)‏ في ترجمة محمد بن عيسى المروزي ‏(‏عن أبي هريرة‏)‏ وفيه خلف ابن يحيى كذبه أبو حاتم قال الذهبي قال أبو حاتم كذاب اهـ وأورده ابن الجوزي في العلل وقال هذا لا يصح وفيه خلف بن يحيى كذبه أبو حاتم‏.‏

2419 - ‏(‏إن لكل شيء سقالة-في المصباح صقلت السيف ونحوه صقلاً من باب قتل وصقالاً أيضاً بالكسر جلوته-‏)‏ بسين أو صاد مهملتين أي جلا ‏(‏وإن سقالة القلوب ذكر اللّه وما من شيء أنجى من عذاب اللّه‏)‏ كذا في كثير من النسخ ولكن رأيت في نسخة المصنف بخطه من عذاب بالتنوين ‏(‏من ذكر اللّه ولو أن تضرب بسيفك حتى ينقطع‏)‏ أي في جهاد الكفار‏.‏ قال الطيبي‏:‏ قوله كل شيء عام خص بقرينة الفعل أي لكل شيء مما يصدأ حقيقة أو مجازاً فإن صدأ القلوب الرين في قوله تعالى ‏{‏كلا بل ران على قلوبهم‏}‏ فكلمة لا إله تجليها وإلا اللّه تحليها اهـ وقد مر غير مرة أن القلب كالمرآة مستعد لأن يتجلى فيه حقائق الأشياء كلها وإنما يحجبه عنها أدناس الذنوب والشهوات وبالتصفية ومجاهدة النفس ولزوم الذكر يزول الصدأ وتجلى حقائق العلوم من مرآة اللوح المحفوظ في مرآة القلب كانطباع صورة من مرآة في مرآة تقابلها فالعلماء يعملون في اكتساب العلوم واجتلابها إلى القلب وأولياء الصوفية يعملون في جلاء القلب وتصقيله فقط‏.‏ قال حجة الإسلام‏:‏ حكي أن أهل الصين وأهل الروم تنازعوا بين يدي ملك في حسن صناعة النقش والصور فاستقر رأي الملك على أن يسلم لكل فريق صفة لينقش أهل الصين صفة وأهل الروم صفة ويرخى بينهم حجاباً يمنع اطلاع كل فريق على الآخر ففعل ذلك وجمع أهل الروم من الأصباغ الغربية مالا يحصى ودخل أهل الصين من غير صبغ وهم يجلون جانبهم ويصقلونه فلما فرغ أهل الروم ادعى أهل الصين أنهم فرغوا فعجب الملك كيف فرغوا من النقش بغير صبغ فقيل كيف فرغتم بغير صبغ قالوا ما عليكم ارفعوا الحجاب فرفع فإذا جانبهم قد تلألأ فيه عجائب الصنع الرومية مع زيادة إشراق وبريق لكنه صار كالمرآة المجلية لكثرة التصقيل فازداد حسن جانبهم بمزيد الصفاء فكذا عناية الأولياء تطهير القلوب وإجلاؤه وصفاؤه حتى يتلألأ فيه جلية الحق بنهاية الإشراق كفعل الصين وعناية العلماء باكتساب نفس العلوم وتحصيل نقضها في القلب‏.‏

- ‏(‏هب عن ابن عمر‏)‏ بن الخطاب وفيه سعيد بن حسان وهما اثنان أحدهما قال أحمد غير قوي والآخر قال الذهبي متهم بالوضع‏.‏

2420 - ‏(‏إن لكل شيء سناماً‏)‏ أي رفعة وعلواً استعير من سنام البعير ثم كثر استعماله حتى صار مثلاً ‏(‏وإن سنام القرآن سورة البقرة‏)‏ أي السورة التي ذكرت فيها البقرة ‏(‏من قرأها في بيته‏)‏ أي في محله بيتاً أو غيره وذكر ‏[‏ص 512‏]‏ البيت غالبي ‏(‏ليلاً‏)‏ أي في الليل ‏(‏لم يدخله شيطان‏)‏ نكره دفعاً لتوهم إرادة إبليس وحده ‏(‏ثلاث ليال‏)‏ أي مدة ثلاث ليال ‏(‏ومن قرأها في بيته نهاراً لم يدخله شيطان ثلاثة أيام‏)‏ قال الحرالي‏:‏ لأن مقصودها الإحاطة الكتابية والإجتهادية الإحاطة الإلهية القيومية وذلك في آية الكرسي تصريحاً وفي سائر آياتها الإحاطة بحسب قرب الإحاطة الكتابية من الإحاطة الإلهية اهـ وتمسك بهذا الحديث وما بمعناه من ذهب إلى القول بخلق القرآن لأن ماله سنام أو قلب لا يكون إلا مخلوقاً ورد بأن القرآن ليس بجسم ولا ذي حدود وأقطار وإنما المراد بكونها سنام القرآن أنها أعلاه كما تقرر أن السنام من البعير أعلاه‏.‏

- ‏(‏ع حب طب هب عن سهل بن سعد‏)‏ وفيه كما قال الهيثمي سعيد بن خالد الخزاعي المديني وهو ضعيف اهـ وأورده الذهبي في الضعفاء وقال ضعفه أبو زرعة‏.‏

2421 - ‏(‏إن لكل شيء شرفاً‏)‏ أي رفعة ‏(‏وإن أشرف المجالس ما استقبل به القبلة‏)‏ يشير إلى أن كل حركة وسكون من العبد على نظام العبودية بحسب نيته في يقظته ومنامه وقعوده وقيامه وشرابه وطعامه تشرف حالته بذلك فيتحرى القبلة في مجلسه ويستشعر هيئتها فلا يعبث فيسن المحافظة على استقبالها ما أمكن حتى للمدرس على الأصح وإنما سن استدبار الخطيب لأن المنبر يسن كونه بصدر المجلس فلو استقبل خرج عن مقاصد الخطاب لأنه يخاطب حينئذ من هو خلف ظهره قال الشريف السمهودي‏:‏ نعم كان شيخي شيخ الإسلام الشرف المناوي يجلس لإلقاء الدرس مستدبرها والقوم امامه قياساً على الخطبة ويعللّه بما ذكر من أن ترك استقبال واحد أسهل من تركه لخلق كثير قال‏:‏ ويستأنس له بما رواه الخطيب عن جابر أقبل مغيث إلى مكحول فأوسع له بجنبه فأبى وجلس مقابل القبلة وقال هذا أشرف المجالس فالظاهر أن جلوس مكحول مستدبراً كان كذلك اهـ

- ‏(‏طب ك‏)‏ في التوبة ‏(‏عن ابن عباس‏)‏ إيراد المصنف لهذا الحديث يوهم سلامته من الوضاعين والكذابين وهو ذهول عجيب فقد قال ابن حبان في وصف الاتباع وبيان الابتداع إنه خبر موضوع تفرد به أبو المقدام عن هشام بن زياد عن محمد بن كعب عن ابن عباس وهو طريق الطبراني وقال الذهبي رواه الحاكم من طريقين أحدهما هذا وهشام متروك والآخر فيه محمد بن معاوية النيسابوري كذبه الدارقطني وغيره قال فبطل الحديث اهـ وقال الهيثمي بعد عزوه للطبراني فيه هشام بن زياد أبو المقدام وهو متروك جداً اهـ نعم ورد في الباب حديث جيد حسن وهو ما رواه الطبراني أيضاً عن أبي هريرة رضي اللّه عنه مرفوعاً إن لكل شيء سيداً وإن سيد المجالس قبالة القبلة قال الهيثمي والمنذري وغيرهما إسناده حسن اهـ فاعجب للمصنف حيث آثر ما جزموا لوضعه على ما جزموا بحسنه‏.‏

2422 - ‏(‏إن لكل شيء‏)‏ كذا هو في خط المصنف وفي رواية عمل وفي أخرى عابد ‏(‏شرة‏)‏ بكسر الشين والتشديد بضبط المصنف حدة وحرصاً ونشاطاً ورغبة قال القاضي‏:‏ الشرة الحرص على الشيء والنشاط فيه وصاحبها فاعل فعل دل عليه ما بعده وقوله تعالى ‏{‏وإن أحد من المشركين استجارك‏}‏ ‏(‏ولكل شرة فترة‏)‏ أي وهناً وضعفاً وسكوناً يعني أن العابد يبالغ في العبادة أو لا وكل مبالغ تسكن حدته وتفتر مبالغته بعد حين‏.‏ وقال القاضي‏:‏ المعنى أن من اقتصد في الأمور سلك الطريق المستقيم واجتنب جانبي الإفراط الشرة والتفريط الفترة فارجوه ولا تلتفتوا إلى شهرته فيما بين الناس واعتقادهم فيه ‏(‏فإن صاحبها سدد وقارب‏)‏ أي إن سدد صاحب الشرة أي جعل عمله متوسطاً أي دنا من التوسط وسلك الطريق الأقوم وتجنب طريقي إفراط الشرة وتفريط الفترة ‏(‏فارجوه‏)‏ يعني ارجوا الصلاح والخير منه فإنه يمكنه الدوام على الوسط وأحب الأعمال إلى اللّه أدومها ‏(‏وإن أشير إليه بالأصابع‏)‏ أي اجتهد وبالغ في العمل ليصير مشهوراً بالعبادة والزهد ‏[‏ص 513‏]‏ وصار مشهوراً مشاراً إليه بالعبادة ‏(‏فلا تعدوه‏)‏ أي لا تعتدوا به ولا تحسبوه من الصالحين لكونه مرائياً ذكره القاضي‏.‏ وقال الطيبي‏:‏ معناه إن لكل شيء من الأعمال الظاهرة والأخلاق الباطنة طرفين إفراطاً وتفريطاً فالمحمود القصد بينهما فإن رأيت أحداً يسلك سبيل القصد فارجوه أن يكون يكون من الفائزين فلا تقطعوا له بأنه من الفائزين فإن اللّه هو الذي يتولى السرائر وإن رأيته يسلك طريق الإفراط والغلو حتى يشار إليه بالأصابع فلا تبتوا القول فيه بأنه من الخائبين فإن اللّه هو الذي يطلع على الضمائر‏.‏

- ‏(‏ت‏)‏ في الزهد ‏(‏عن أبي هريرة‏)‏ وقال حسن صحيح غريب وفيه محمد بن عجلان وثقه أحمد وقال الحاكم سيء الحفظ‏.‏

2423 - ‏(‏إن لكل شيء قلباً‏)‏ أي لباً ‏(‏وقلب القرآن يس‏)‏ أي هي خالصه ولبه المودع فيه المقصود منه لأن أحوال البعث وأهوال القيامة مستقصاة فيها مع تصديرها بإثبات نبوة المصطفى صلى اللّه عليه وسلم بالقسم عليها على أبلغ وجه واشتمالها مع قصر نظمها وصغر حجمها على الآيات البديعة من خلق الليل والنهار والقمرين والفلك وعبر ذلك من المواعظ والعبر والمعاني الدقيقة والمواعيد الرائفة والزواجر البالغة والإشارات الباهرة ما لم تكد تكن في سورة سواها مع صغر حجمها وقصر نظمها ‏(‏ومن قرأ يس كتب اللّه له‏)‏ أي قدر أو أمر الملائكة أن تكتب له ‏(‏بقراءتها‏)‏ ثواب ‏(‏قراءة القرآن عشر مرات‏)‏ أي قدر ثواب قراءة القرآن بدون سورة يس عشر مرات وقد تواترت الآثار بجموم فضائل يس، روى الحارث بن أبي أسامة في مسنده مرفوعاً من قرأ سورة يس وهو خائف أمن أو سقيم شفي أو جائع شبع حتى ذكر خصالاً كثيرة وفي مسند الدارمي من حديث عطاء بلاغاً أنه عليه الصلاة والسلام قال من قرأ يس في صدر النهار قضيت حاجته وعن بعضهم من قرأها أول النهار لم يزل فرحاً مسروراً إلى الليل ومن قرأها أول الليل لم يزل كذلك إلى الصباح‏.‏

- ‏(‏الدارمي‏)‏ في مسنده ‏(‏ت‏)‏ في فضائل القرآن ‏(‏عن أنس‏)‏ وقال الترمذي غريب فيه هارون أبو محمد شيخ مجهول انتهى كلام الترمذي فعزو المصنف الحديث له وحذفه لذلك من كلامه غير سديد وفي الباب أبو بكر وأبو هريرة وغيرهما‏.‏

2424 - ‏(‏إن لكل شيء قمامة‏)‏ أي كناسة ‏(‏وقمامة المسجد‏)‏ قول الإنسان فيه ‏(‏لا واللّه وبلى واللّه‏)‏ أي اللغو فيه وكثرة الخصومات والحلف واللغط فإن ذلك مما ينزه المسجد ويصان عنه فتكره الخصومة ورفع الصوت ونحو البيع والشراء ونشد الضالة ونحوها ويكره اتخاذ المسجد مجلساً للقضاء حيث لا يشرع تغليظ اليمين بالمكان ولم يكن عذر لنحو مرض‏.‏

- ‏(‏طس عن أبي هريرة‏)‏ قال الهيثمي فيه رشدين بن أبي سعد وفيه كلام كثير وقال الذهبي قال ابن معين رشدين ليس بشيء وقال أبو زرعة ضعيف والجوزجاني له مناكير وعد هذا منها‏.‏

2425 - ‏(‏إن لكل شيء نسبة ونسبة اللّه قل هو اللّه أحد‏)‏ أي سورة الإخلاص بكمالها قال في الصحاح النسب واحد الأنساب والهاء للمبالغة في المدح ونسبت الرجل ذكرت نسبته وهذا قاله لما قالت له اليهود يا محمد انسب لنا ربك فقوله اللّه أحد أثبت الوجود للأحد فنفى العدد وأثبت الأحدية للّه سبحانه وتعالى وقوله اللّه الصمد نفي للجسم ولم يلد ولم يولد نفي للوالد والولد ولم يكن له كفواً أحد نفي للصاحبة كما نفى الشريك بقوله ‏{‏لو كان فيهما آلهة إلا اللّه (1) لفسدتا‏}‏ قال العارف ابن عربي‏:‏ وفي الحديث دلالة على الاكتفاء بأخذ العقائد من القرآن وأنه بمنزلة الدليل العقلي في الدلالة إذ هو المصدق الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه فلا يحتاج معه إلى أدلة العقول‏.‏

- ‏(‏طس عن أبي هريرة‏)‏ قال الهيثمي فيه الوازع بن نافع وهو متروك‏.‏

2426 - ‏(‏إن لكل عمل شرة ولكل شرة فترة فمن كانت فترته إلى سنتي‏)‏ أي طريقتي التي شرعتها ‏(‏فقد اهتدى‏)‏ أي سار سيرة مرضية حسنة ‏(‏ومن كانت إلى غير ذلك فقد هلك‏)‏ الهلاك الأبدي وشقي الشقاء السرمدي قال الزمخشري‏:‏ هدى هدي فلان سار سيرته وفي حديث واهتدوا بهدي عمار وما أحسن هديه وفلان هالك في الهوالك واهتوى فلان ألقى نفسه في التهلكة‏.‏

- ‏(‏هب عن ابن عباس وابن عمرو‏)‏ بن العاص قال الهيثمي رجاله رجال الصحيح‏.‏

2427 - ‏(‏إن لكل غادر‏)‏ أي لكل ناقض للعهد تارك للوفاء بما عاهد عليه قال بعضهم والمشهور بين المصنفين أن هذا الغدر إنما هو في الحروب من نقض عهد أو أمان والحمل على الأعم أتم ‏(‏لواء‏)‏ أي علم وهو دون الراية ينصب له ‏(‏يوم القيامة يعرف به‏)‏ بين أهل الموقف تشهيراً له بالغدر وتفضيحاً على رؤوس الأشهاد يوم القيامة ولما كان الغدر إنما يقع مكتوماً مستتراً أشهر صاحبه بكشف ستره ليتم فضيحته وتشيع عقوبته وأصل اللواء الشهرة فلما كان الغدر لا يقع إلا بسبب خفي عوقب بضد ما فعل وهي شهرته هذه الشهرة التي تتضمن الخزي على رؤوس الأشهاد ويكون ذلك اللواء ‏(‏عند استه‏)‏ استخفافاً بذكره واستهانة لأمره ومبالغة في غرابة شهرته وقبيح فعلته أو لأن علم العزة ينصب تلقاء الوجه فناسب أن يكون علم الذلة فيما هو كالمقابل له والاست كما في الصحاح وغيره العجز وقد يراد به حلقة الدبر وهمزته وصل ولامه محذوفة والأصل ستة بفتحتين وقد تزاد الهاء الحذوفة وتحذف التاء فيقال سه قال الزمخشري‏:‏ وتقول باست فلان إذا استخففت به‏.‏

- ‏(‏الطيالسي‏)‏ أبو داود ‏(‏حم‏)‏ كلاهما ‏(‏عن أنس‏)‏ بن مالك بإسناد حسن‏.‏

2428 - ‏(‏إن لكل قوم فارطاً‏)‏ أي سابقاً إلى الآخرة يهييء لهم ما ينفعهم فيها ‏(‏وإني فرطكم على الحوض‏)‏ أي متقدمكم إليه وناظر لكم في إصلاحه وتهيئته فتردون عليَّ فيه ‏(‏فمن ورد على الحوض فشرب لم يظمأ ومن لم يظمأ دخل الجنة‏)‏ أي أن من يعذب في الموقف بالظمأ يدخل النار إما خالداً إن كان كافراً أو للتطهير إن كان مؤمناً ومن لم يقدر له الظمأ ذلك اليوم لشربه من الحوض لا بد وأن يدخل الجنة أولاً من غير دخول النار أصلاً والفارط كما في الصحاح وغيره السابق الذي يتقدم الواردة فيهييء لهم الرشاد والدلاء ويمد لهم الحياض ويستسقي لهم قال الزمخشري‏:‏ ومن المجاز فرط له ولد سبق إلى الجنة جعله اللّه لك فرطاً وافترط فلان أولاداً والورود الحضور كما في الصحاح وغيره والحوض ما يجتمع فيه الماء للشرب ونحوه والظمأ العطش‏.‏

- ‏(‏طب عن سهل بن سعد‏)‏ قال الهيثمي رجاله رجال الصحيح غير موسى بن يعقوب الزمعي وقد وثقه غير واحد وفيه ضعف‏.‏

2429 - ‏(‏إن لكل قوم فراسة‏)‏ بكسر الفاء ‏(‏وإنما يعرفها الأشرف‏)‏ أي العالو المرتبة المرتفعو المقدار في علم طريق الآخرة وسبق أن الفراسة ما يوقعه اللّه في قلوب أوليائه فيعلمون أحوال الناس بنوع كرامة وإصابة حدس فللقلب عين كما أن ‏[‏ص 515‏]‏ للبصر عيناً فمن صح عين قلبه وأعانه نور اللّه اطلع على حقائق الأشياء وعلى إدراك العالم العلوي وهو في الدنيا فيرى ما لا عين رأت ولا أذن سمعت ولا خطر على قلب بشر وقاعدة الفراسة الصحيحة وأسها الغض عن المحارم قال الكرماني‏:‏ من عمر ظاهره باتباع السنة وباطنه بدوام المراقبة وكف نفسه عن الشهوات وغض بصره عن المحرمات واعتاد أكل الحلال لم تخطىء فراسته أبداً اهـ‏.‏ فمن وفق لذلك أبصر الحقائق عياناً بقلبه وأما ما هو متعارف من الفراسة بأدلة وتجاريب وخلق وأخلاق وفيه مصنفات فلا ثقة به وإنما هي ظنون لا تغني من الحق شيئاً وسر ذلك أن الجزاء من جنس العمل فمن غض بصره عما حرم عليه عوض من جنسه ما هو خير منه فكما أمسك نور بصره عن المحرمات أطلق اللّه نور بصيرته وقلبه فيرى به ما لم يره من أطلق بصره وهذا كالمحسوس‏.‏

- ‏(‏ك عن عروة‏)‏ بضم أوله ابن الزبير ‏(‏مرسلاً‏)‏ أرسل عن عائشة‏.‏

2430 - ‏(‏إن لكل نبي أميناً‏)‏ أي ثقة يعتمد عليه ‏(‏وأميني أبو عبيدة‏)‏ عامر بن عبد اللّه ‏(‏ابن الجراح‏)‏ أحد العشرة المبشرة قال في النوادر‏:‏ الأمانة ترك الأشياء في مواضعها كما وضعت وإنزالها حيث أنزلت وللنفس أخلاق رديئة دنيئة عجولة في مهواها وتتشبث بمخالبها في دنياها فلما تخلص أبو عبيدة من حبائلها اطمأنت فطرته وماتت شهوته فأبصر قلبه الأشياء على هيئتها وصار ذلك أمانة لخلوص قلبه من الظلمات الحاجبة للنور عن إشراقه وفيه ندب توفير العالم وتعظيمه بمخاطبته بالكنية وإن كان هو دون المتكلم في الرتبة‏.‏

- ‏(‏حم‏)‏ وكذا البزار ‏(‏عن عمر‏)‏ بن الخطاب قال الهيثمي رجاله ثقات ورواه الطبراني عن خالد بن الوليد قال الهيثمي بسند رجاله رجال الصحيح‏.‏

2431 - ‏(‏إن لكل نبي حوارياً‏)‏ وزيراً أو ناصراً أو خالصاً أو خليلاً أو خاصة من أصحابه وحواري الرجل صفوته وخالصته أي صاحب سره سمي به لخلوص نيته وصفاء سريرته من الحور بفتحتين شدة البياض وقال الحرالي‏:‏ الحواري المستخلف نفسه في نصرة من تحق نصرته بما كان من إيثاره على نفسه بصفاء وإخلاص لا كدر فيه قال الزركشي قال الزجاج وهو منصرف ‏(‏وإن حواري الزبير‏)‏ إضافة إلى ياء المتكلم فحذف الياء وقد ضبطه جمع بفتح الياء وآخرون بكسرها وهو القياس لكنهم لما استثقلوا ثلاث يا آت حذفوا ياء المتكلم وأبدلوا من الكسرة فتحة والزبير بن العوام بن خويلد بن أسد بن عبد العزى بن قصي وفيه يجتمع مع المصطفى صلى اللّه عليه وسلم وأمه صفية عمة المصطفى صلى اللّه عليه وسلم قاله لما قال يوم الأحزاب من يأتيني يخبر القوم فقال الزبير أنا لما أحكم أسباب الإخلاص اصطفاه ونسبه للاختصاص‏.‏

- ‏(‏خ‏)‏ في الجهاد ‏(‏ت‏)‏ في المناقب ‏(‏عن جابر‏)‏ بن عبد اللّه ‏(‏ت ك‏)‏ في المناقب ‏(‏عن أمير المؤمنين‏)‏ ظاهر صنيع المصنف أن ذا مما تفرّد به البخاري عن صاحبه والأمر بخلافه بل خرجه مسلم في الفضائل عن جابر ولفظه ندب رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم الناس يوم الخندق فانتدب الزبير ثم ندبهم فانتدب الزبير ثم ندبهم فانتدب الزبير ‏(‏وكان للزبير ألف مملوك يؤدون الضريبة لا يدخل بيت ماله منها درهماً يتصدق بها وفي رواية فكان يقسمه كل ليلة ثم يقدم إلى منزله ليس معه منه شيء وباع داراً له بست مئة ألف فقيل له غبنت قال كلا واللّه لتعلمن أني لم أغبن هي في سبيل اللّه‏.‏ وعن علي بن زيد قال أخبرني من رأى الزبير وأن في صدره مثل العيون من الطعن والرمي وعن ابن أبي حازم عن الزبير قال من استطاع منكم أن يكون له جنى من عمل صالح وقتل يوم الجمل وهو ابن خمس وسبعين قتله ابن جرموز واستأذن على علي فقال علي بشر قاتل ابن صفية بالنار ثم قال سمعت رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم يقول لكل نبي حواري وحواري الزبير وقال عبد اللّه بن الزبير جعل أبي يوم الجمل يوصيني بدينه ويقول إن عجزت عن شيء منه فاستعن عليه بمولاي قال فواللّه ما دريت ما أراد حتى قلت يا أبت من مولاك قال اللّه قال فواللّه ما وقعت في كربة من دينه إلا قلت يا مولى الزبير اقض عنه فيقضيه وإنما دينه الذي كان عليه أن الرجل كان يأتيه بالمال ليستودعه إياه فيقول الزبير لا ولكنه سلف فإني أخشى عليه الضيعة قال فحسبت ما عليه من الدين فوجدته ألفي ألف ومئة ألف فقتل ولم يدع ديناراً ولا درهماً إلا أرضين فبعتها يعني وقضيت دينه فقال بنو الزبير اقسم بيننا ميراثنا فقلت واللّه لا أقسم بينكم حتى أنادي بالموسم أربع سنين ألا من كان له على الزبير دين فليأتنا فلنقضه فجعل كل سنة ينادي بالموسم فلما مضى أربع سنين قسم بينهم وكان للزبير أربع نسوة فأصاب كل امرأة ألف ألف ومائتا ألف‏.‏ اهـ‏)‏ ‏[‏ص 516‏]‏ فقال رسول اللّه صلى اللّه عليه وسلم لكل نبي حواري وحواري الزبير‏.‏

2432 - ‏(‏إن لكل نبي حوضاً‏)‏ على قدر رتبته وأمته قال الطيبي‏:‏ يجوز حمله على ظاهره فيدل على أن لكل نبي حوضاً وأن يحمل على المجاز ويراد به العلم والهدى ونحوه وقال الحكيم‏:‏ الحياض يوم القيامة للرسل لكل على قدره وقدر من تبعه وهو شيء يلطف اللّه به عباده فإنهم تخلصوا من تحت أيدي قابض الأرواح قد أذاقهم مرارة الموت وطالت مدتهم اللحود ونشروا للّهول العظيم والغوث لأهل التوحيد من اللّه تعالى مترادف أغاثهم يوم ألست بربكم فأثبت أسماءهم بالولاية ونقلهم في الأصلاب حتى أواهم إلى آخر قالب ثم أنزله فرباه وهداه وهيأه وهيأ له وكلأه حتى خلتم له مما ابتلاه فلما أذاقه الموت المر وحبسه مع البلاء الطويل ثم أنشره فبعثه إلى موقف عظيم بين الجنة والنار فمن غوثه إياه أن جعل الرسول الذي أجابه فرطاً له قد هيأ له مشروباً يروى منه فلا يظمأ بعدها أبداً وسعد فلا يشقى أبداً فمن لم يذد عنه إذا دنا منه وسقى فقد استقر في جوفه ما حرمت النار عليه به ثم ينصب الصراط للجواز، إلى هنا كلامه ‏(‏وأنهم‏)‏ أي الأنبياء ‏(‏يتباهون أيهم أكثر‏)‏ أمة ‏(‏واردة‏)‏ على الحوض ‏(‏وإني أرجو‏)‏ أي أؤمّل ‏(‏أن أكون أكثرهم واردة‏)‏ قال القرطبي‏:‏ وقال البكري المعروف بابن الواسطى لكل نبي حوض إلا صالحاً فإن حوضه ضرع ناقته انتهى ولم أقف على ما يدلّ عليه أو يشهد له انتهى وهذا الحديث صريح في أن الحوض ليس من الخصائص المحمدية لكن اشتهر الاختصاص والحديث اختلف في وصله وإرساله قال ابن حجر‏:‏ والمرسل خرجه ابن أبي الدنيا بسند صحيح عن الحسن بلفظ إن لكل نبي حوضاً وهو قائم على حوضه بيده عصى يدعو من عرف من أمّته ألا وإنهم يتباهون أيهم أكثر تبعاً وإني لأرجو أن أكون أكثرهم تبعاً ورواه الطبراني من وجه آخر عن سمرة مرفوعاً مثله وفي سنده لين وخرج ابن أبي الدنيا من حديث أبي سعيد رفعه كل نبي يدعو أمّته ولكل نبي حوض وحينئذ فالمختص بنبينا صلى اللّه عليه وسلم الكوثر الذي يصب من مائه في حوضه فإنه لم ينقل نظيره لغيره‏.‏

- ‏(‏ت‏)‏ في الزهد ‏(‏عن سمرة‏)‏ بن جندب وقال الترمذي غريب وصحح إرساله‏.‏

2433 - ‏(‏إن لكل نبي خاصة من أصحابه‏)‏ أي من يختص بخدمته منهم ويعول عليه في المهمات من بينهم ‏(‏وإن خاصتي من أصحابي أبو بكر‏)‏ الصديق ‏(‏وعمر‏)‏ بن الخطاب ومن ثم استوزرهما في حياته وحق لهما أن يخلفاه على أمّته بعد مماته، والهاء في الخاصة للتأكيد كما في المصباح وعن الكسائي الخاص والخاصة واحد‏.‏

- ‏(‏طب عن ابن مسعود‏)‏ قال الهيثمي فبه عبد الرحيم أبو حماد الثقفي وهو متروك‏.‏

‏[‏ص 517‏]‏ 2434 - ‏(‏إن لكل نبي دعوة‏)‏ أي مرة من الدعاء متيقناً إجابتها ‏(‏قد دعا بها في أمته‏)‏ لهم أي عليهم أو صرفها في هذه الدار لأحد أمرين فمنهم من دعا عليهم كنوح وموسى عليهما السلام ومنهم من دعا لهم كإبراهيم وعيسى عليهما السلام ومنهم من صرفه لغيرهم كسليمان عليه السلام حين سأل الملك ‏(‏فاستجيب له‏)‏ وليس معناه أنهم إذا دعوا لم يستجب لهم إلا واحدة فقد إستجاب لكل نبي ما لا يحصى لكنهم في تلك الدعوات بين رجاء وخوف ردّ، فكل نبي تعجل دعوته والمصطفى صلى اللّه عليه وسلم أخرها لوقت الإضطرار قال الطيبي‏:‏ وإرادته الإجابة لا الدعوة ‏(‏وإني اختبأت دعوتي‏)‏ أي ادّخرتها ‏(‏شفاعة لأمتي يوم القيامة‏)‏ لأن صرفها لهم في جهة الشفاعة أهم وفي الآخرة أتم لا يقال اختبأ الشيء يقتضي حصوله وتلك الدعوة إنما تحصل له يوم القيامة فكيف تكون مدّخرة قلنا يجوز أن بخير اللّه النبي بين أن يدعو تلك الدعوة المستجابة في الدنيا وبين أن يدعو في الآخرة فاختارها فسمي ذلك الإختيار اختباء كذا قرروه واستشكله الطيبي بدعاء المصطفى صلى اللّه تعالى عليه وآله وسلم على أحياء العرب كمضر وعصية وذكوان قال فالتأويل المستقيم أن معناه جعل لكل نبي دعوة مستجابة في أمته فكل من الأنبياء عليهم الصلاة والسلام نالها في الدنيا وأنا ما نلتها فيها حيث دعوت على بعض أمتي لي ليس لك من الأمر شيء فبقيت تلك الدعوة مدخرة في الآخرة ودعاؤه على مضر ليس للاهلاك بل للارتداع ‏{‏وما أرسلناك إلا رحمة للعالمين‏}‏‏.‏‏.‏